فصل: تفسير الآيات (1- 4):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.سورة نوح:

.تفسير الآيات (1- 4):

{إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1) قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4)}
{إنا أرسلنا نوحاً إلى قومه أن أنذر قومك} أَيْ: بأن خوِّفهم عذاب الله {من قبل أن يأتيهم عذابٌ أليم}.
{قال يا قوم إني لكم نذير مبين}. {أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون}.
{يغفر لكم من ذنوبكم} {مِنْ} صلة {ويؤخركم} عن العذاب {إلى أجل مسمىً} وهو أجل الموت، فتموتوا غيرَ ميتة مَنْ يهلك بالعذاب {إنَّ أجل الله إذا جاء لا يؤخر} إذا جاء الأجل في الموت لا يُؤخَّر {لو كنتم تعلمون} ذلك.

.تفسير الآيات (6- 14):

{فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14)}
{إلاَّ فراراً} أَيْ: نفاراً عن طاعتك وإدباراً عني.
{وإني كلما دعوتهم} إلى الإِيمان بك {لتغفر لهم} ما قد سلف من ذنوبهم {جعلوا أصابعهم في آذانهم} لئلا يسمعوا صوتي {واستغشوا ثيابهم} غطُّوا بها وجوههم مبالغةً في الإِعراض عني كيلا يروني {وأصروا} أَقاموا على كفرهم {واستكبروا} عن اتِّباعي {استكباراً} لأنَّهم قالوا: {أَنؤمنُ لك واتَّبعكَ الأَرْذَلون} {ثم إني دعوتهم جهاراً} أظهرتُ لهم الدَّعوة.
{ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسراراً} أَيْ: خلطتُ دعاءَهم العلانيَة بدعاءِ السِّرِّ.
{فقلت استغفروا ربكم إنه غفاراً}. {يرسل السماء عليكم مدراراً}.
{ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً} وذلك أنَّهم لما كذَّبوه حبس الله عنهم المطر وأعقم نساءَهم، فهلكت أموالهم ومواشيهم، فوعدهم نوحٌ إنْ آمنوا أَنْ يردَّ الله عليهم ذلك، فقال: {يرسل السماء عليكم مدراراً} كثيرة الدرِّ، أَيْ: كثيرة المطر، {ويمددكم بأموالٍ وبنين}: يعطكم زينة الدُّنيا، وهي المال والبنون.
{ما لكم لا تَرْجُون لله وقاراً} لا تخافون لله عظمةً.
{وقد خلقكم أطواراً} حالاً بعد حالٍ. نطفةً، ثمَّ علقةً، ثمَّ مضغةً، إلى تمام الخلق.

.تفسير الآيات (15- 18):

{أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16) وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18)}
{ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقاً} بعضها فوق بعض.
{وجعل القمر فيهن نوراً} أَيْ: في إحداهنَّ {وجعل الشمس سراجاً} تُضِيءُ لأهل الأرض.
{والله أنبتكم من الأرض نباتاً} جعلكم تنبتون من الأرض نباتاً، وذلك أنَّه خلق آدم من الأرض وأولاده أحياءً منه.
{ثم يعيدكم فيها} أمواتاً {ويخرجكم} منها إخراجاً. وقوله:

.تفسير الآيات (20- 28):

{لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (20) قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24) مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا (25) وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28)}
{سبلاً فجاجاً} أَيْ: طرقاً بيِّنةً. وقوله: {واتبعوا مَنْ لم يزده ماله وولده إلاَّ خساراً} أَيْ: اتَّبعوا أشرافهم الذين لا يزيدون بإنعام الله تعالى عليهم بالمال والولد إلاَّ طغياناً وكفراً.
{ومكروا مكراً كباراً} أفسدوا في الأرض فساداً عظيماً بالكفر وتكذيب الرُّسل.
{وقالو} لسفلتهم: {لا تذرنَّ آلهتكم ولا تَذَرُنَّ ودَّاً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً} وفي أسماء أوثانهم.
{وقد أضلوا كثيراً} أَيْ: ضلَّ كثيرٌ من النَّاس بسببها، كقوله: {إنهنَّ أضللْنَ كثيراً من النَّاس} {ولا تزد الظالمين إلاَّ ضلالاً} دعاءٌ من نوحٍ عليهم بأن يزيدهم الله ضلالاً، وذلك أن الله تعالى أخبره أنه لن يؤمن من قومه إلاَّ من قد آمن، فلما أيس نوح من إيمانهم دعا عليهم بالضَّلال والهلاك. قال الله تعالى: {ممَّا خطيئاتهم} {ما} صلة، أَيْ: مِن خطيئاتهم التي ارتكبوها {أغرقوا} بالطُّوفان {فأدخلوا ناراً} بعد الغرق، أَيْ: أُدخلوا جهنَّم {فلم يجدوا لهم من دون الله أنصاراً} لم يجدوا مَنْ يمنعهم من عذاب الله.
{وقال نوحٌ ربِّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديَّاراً} أَيْ: نازل دار، أَيْ: أحداً.
{إنك إن تذرهم} فلا تهلكهم {يضلوا عبادك} بدعوتهم إلى الضَّلال {ولا يلدوا إلاَّ فاجراً كفاراً} إلاَّ مَنْ يفجر ويكفر، وذلك أنَّ الله أخبره أنَّهم لا يلدون مؤمناً.
{ربِّ اغفر لي ولوالدي} وكانا مؤمنين {ولمن دخل بيتي} مسجدي {مؤمناً للمؤمنين والمؤمنات} إلى يوم القيامة {ولا تزد الظالمين إلاَّ تباراً} هلاكاً ودماراً.

.سورة الجن:

.تفسير الآية رقم (1):

{قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا (1)}
{قل أوحي إليَّ} أَيْ: أُخبرت بالوحي من الله إليَّ {أنَّه استمع نفرٌ من الجن} وذلك أنَّ الله تعالى بعث نفراً من الجنِّ ليَستمعوا قراءة النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو يُصلِّي الصُّبح ببطن نخلة، وهؤلاء الذين ذكرهم الله في سورة الأحقاف في قوله: {وإذ صرفنا إليك نفراً....} الآية. فلما رجعوا إلى قومهم قالوا: {إنا سمعنا قرآناً عجباً} في فصاحته وبيانه وصدق إخباره.

.تفسير الآيات (3- 11):

{وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3) وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5) وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6) وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (7) وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9) وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10) وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11)}
{وأنَّه تعالى جدُّ ربنا} أي: جلاله وعظمته عن أن يتَّخذ ولداً أو صاحبة.
{وأنَّه كان يقول سفيهنا} جاهلنا {على الله شططاً} غلوَّاً في الكذب حتى يصفه بالولد والصاحبة.
{وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذباً} أي: كنَّا نظنُّهم صادقين في أنَّ لله صاحبةً وولداً حتى سمعنا القرآن، وكنَّا نظنُّ أنَّ أحداً لا يكذب على الله. انقطع هاهنا قول الجن. قال الله تعالى: {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن} وذلك أنَّ الرَّجل في الجاهليَّة كان إذا سافر فأمسى في الأرض القفر. قال: أعوذ بسيِّد هذا الوادي من شرِّ سفهاء قومه، أَي: الجنِّ. يقول الله: {فزادوهم رهقاً} أَيْ: فزادوهم بهذا التَّعوُّذ طغياناً، وذلك أنَّهم قالوا: سُدْنا الجنَّ والإِنس.
{وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحداً} يقول: ظنَّ الجنُّ كما ظننتم أيُّها الإِنس أن لا بعث يوم القيامة، وقالت الجنُّ: {وأنا لمسنا السماء} أَي: رُمْنَا استراق السَّمع فيها {فوجدناها ملئت حرساً شديداً} من الملائكة {وشهباً} من النُّجوم. يريدون: حُرست بالنُّجوم من استماعنا.
{وأنا كنَّا} قبل ذلك {نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً} أي: كواكب حفظةً تمنع من الاستماع.
{وأنَّا لا ندري أشرٌّ أريد بمن في الأرض} بحدوث رجم الكواكب {أم أراد بهم ربهم رشداً} أَيْ: خيراً.
{وأنا منا الصالحون} بعد استماع القرآن، أَيْ: بررةٌ أتقياءُ {ومنا دون ذلك} دون البررة {كنا طرائق قدداً} أَيْ: أصنافاً مختلفين.

.تفسير الآيات (12- 14):

{وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا (12) وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آَمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13) وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14)}
{وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض} علمنا أن لا نفوته إِنْ أراد بنا أمراً {ولن نعجزه هرباً} إِنْ طلبنا. وقوله: {فلا يخاف بَخْساً} أَيْ: نقصاً {ولا رهقاً} أَيْ: ظلماً، والمعنى: لا نخاف أن ينقص من حسناته، ولا أن يُزاد في سيئاته.
{وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون} الجائرون عن الحقّ {فمن أسلم فأولئك تحروا رشداً} قصدوا طريق الحقّ.

.تفسير الآيات (16- 19):

{وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17) وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18) وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19)}
{وأن لو استقاموا على الطريقة} لو آمنوا جميعاً، أَي: الخلق كلُّهم أجمعون الجنُّ والإِنس {لأسقيناهم ماءً غدقاً} لوسَّعنا عليهم في الدُّنيا، وضرب المثل بالماء لأنَّ الخير كلَّه والرِّزق بالمطر، وهذا كقوله تعالى: {ولو أنَّ أهل القرى آمنوا واتقوا....} الآية.
{لِنَفْتنهم فيه} لنختبرهم فنرى كيف شكرهم {ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه} يدخله {عذاباً صعداً} شاقاً.
{وأنَّ المساجد لله} يعني: المواضع التي يُصلَّى فيها. وقيل: الأعضاء التي يسجد عليها. وقيل: يعني: إنَّ السَّجدات لله، جمع مسجد بمعنى السُّجود {فلا تدعوا مع الله أحداً} أمرٌ بالتَّوحيد لله تعالى في الصَّلاة.
{وإنه لما قام عبد الله يدعوه} أي: النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لمَّا قام ببطن نخلة يدعو الله {كادوا يكونون عليه} كاد الجنُّ يتراكبون ويزدحمون حرصاً على ما يسمعون، ورغبةً فيه.

.تفسير الآيات (22- 28):

{قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22) إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23) حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (24) قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (25) عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28)}
{ولن أجد من دونه ملتحداً} أَيْ: ملجأً.
{إلاَّ بلاغاً من الله ورسالاته} لكن أُبلِّغ عن الله ما أُرسلت به، ولا أملك الكفر والإِيمان وهو قوله: {لا أملك لكم ضرّاً ولا رشداً}. وقوله: {حتى إذا رأوا} أي: الكفَّار {ما يوعدون} من العذاب والنَّار {فسيعلمون} حينئذٍ {مَنْ أضعف ناصراً} أنا أو هم {وأقل عدداً}.
{قل إن أدري} ما أدري {أقريب ما توعدون} من العذاب {أم يجعل له ربي أمداً} أجلاً وغايةً.
{عالم الغيب} أي: هو عالم الغيب {فلا يظهر} فلا يُطلع على ما غيَّبه عن العباد {أحداً}.
{إلاَّ من ارتضى} اصطفى {من رسول} فإنَّه يُطلعه على ما يشاء من الغيب معجزةً له {فإنَّه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً} أي: يجعل من جميع جوانبه رصداً من الملائكة يحفظون الوحي من أن يسترقه الشَّياطين، فتلقيه إلى الكهنة، فيساوون الأنبياء.
{ليعلم} الله {أن قد أبلغوا رسالات ربهم} أي: ليُبلِّغوا رسالات ربِّهم، فإذا بلَّغوا علم الله ذلك، فصار كقوله: {ولمَّا يعلمِ اللَّهُ الذين جاهدوا منكم} أي: ولمَّا يجاهدوا. {وأحاط بما لديهم} علم الله ما عندهم {وأحصى كلَّ شيء عدداً} أي: علم عدد كلِّ شيء فلم يخف عليه شيءٌ.

.سورة المزمل:

.تفسير الآيات (1- 10):

{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9) وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10)}
{يا أيها المزمل} أي: المُتَلفِّف بثيابه. نزل هذا على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو مُتلَفِّفٌ بقطيفةٍ.
{قم الليل إلاَّ قليلاً} أي: صلِّ كلَّ اللَّيلِ إلاَّ شيئاً يسيراً تنام فيه، وهو الثُّلث، ثمَّ قال: {نصفه} أَيْ: قم نصفه {أو انقص منه} من النِّصف {قليلاً} إلى الثُّلث.
{أو زد عليه} على النِّصف إلى الثُّلثين، جعل له سعةً في مدَّة قيامه في اللَّيل، فكأنَّه قال: قم ثلثي اللَّيل أو نصفه أو ثلثه، فلمَّا نزلت هذه الآية أخذ المسلمون أنفسهم بالقيام على هذه المقادير، وشقَّ ذلك عليهم؛ لأنَّهم لم يمكنهم أن يحفظوا هذه المقادير، وكانوا يقومون اللَّيل كلَّه انتفخت أقدامهم، ثمَّ خفَّف الله عنهم بآخر هذه السُّورة، وهو قوله: {إنَّ ربك يعلمُ أنَّك تقوم...} الآية، ثمَّ نسخ قيام اللَّيل بالصَّلوات الخمس، وكان هذا في صدر الإِسلام. وقوله: {ورتل القرآن ترتيلاً} أَي: بيِّنه تبييناً بعضُه على إثر بعضٍ في تُؤّدةٍ.
{قولاً ثقيلاً} رصيناً رزيناً، ليس بالسفساف والخفيف؛ لأنَّه كلام الله.
{إنَّ ناشئة الليل} ساعاته {هي أشد وطأ} أثقلُ على المُصلِّين من ساعات النَّهار، ومَنْ قرأ: {وِطاء} فمعناه: أشدُّ موافقةً بين القلب والسَّمع والبصر واللِّسان؛ لأنَّ اللَّيل تهدأ فيه الأصوات، وتنقطع الحركات، ولا تحول دون تسمُّعه وتفهُّمه شيءٌ. {وأقوم قيلاً} وأصوب قراءةً.
{إنَّ لك في النهار سبحاً طويلاً} أَيْ: تصرُّفاً في حوائجك إقبالاً وإدباراً، وهذا حثٌ على القيام باللَّيل لقراءة القرآن.
{واذكر اسم ربك} بالتَّعظيم والتَّنزيه {وتبتل إليه تبتيلاً} وانقطع إليه في العبادة. وقوله: {فاتخذوه وكيلاً} أَيْ: قيِّماً بأمورك مُفوَّضاً إليه.
{واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلاً} وهو أن لا تتعرَّض لهم ولا تشتغل بمكافآتهم، وهذه الآية نسختها آية القتال.